مقدمة:
إن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه لا يمكنه العيش في عزلة أوالاستغناء عن الغير، لكونه تتعدد حاجاته وطلباته، انطلاقا من هذه المسلمة يتضح على أنه ميال للحركة والاجتهاد والإبداع من أجل تحقيق أغراضه ومتطلباته لهدف ضمان استقراره وبقائه، وأفضل وسيلة يمكن أن يتوصل بها الإنسان لكل حاجاته ويعبر عن أفكاره ويترجم إبداعاته هي العمل أو الشغل فهو الذي يمكنه كذلك من الزواج لتكوين أسرة وغيرها.
وبالتالي فالعلاقات الإنسانية لا يمكن استمرارها إلا بوجود التفاهم والتعاون، لكن هذا لا يمنع من القول بأن هذه العلاقة تحمل ضمنيا بذور النزاع، وكما لاحظ الفيلسوف الفرنسي فوكو (Faucault)؛ فإن الإنسان يجد نفسه في صراع بينه وبين الآخرين ،فيحاول تجنبه أو على الأقل التخفيف منه، دون اللجوء إلى قاعات المحاكم حيث تطول الإجراءات وتتشابك المساطر، التي لها خطورة كبيرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
لذلك أصبح البحث عن أرضية ملائمة لتسوية هذه النزاعات في أسرع وقت وبأقل تكلفة لإرضاء المتقاضين من جهة، والتخفيف عن الجهاز القضائي، والذي لم يعد قادرا على هذه السبل من القضايا وبالسرعة التي يتطلبها هذا العصر في تسوية المنازعات، وبالإجابة في نفس الوقت عن تطلعات أفراد المجتمع، سواء تعلق الأمر بوضعيات بسيطة أو معقدة عامة أو خاصة، وكذلك في إطار عملية متفهمة وغير معيبة من الناحية الأخلاقية، وكذلك من أجل مواكبة التوجهات العالمية في هذا الشأن من أجل إحياء تراث قديم والمسمى- بالطرق الحديثة – الطرق البديلة لحل المنازعات التي تحظى بكل اهتمام الذي وصفه البعض بالثورة في الميدان القضائي، وأن تجذب إليها أطراف الخصومات وتصرفهم عن مساطر التقاضي العادية أمام المحاكم لو لم تكن تتميز بخصائص توفر لهم ما افتقدوه
في هذه المساطر وتجنبهم كل ما يعانونه من سلبياتها وعواقبها الوخيمة . ولعل أبرز مايهمنا في مقالنا هذا الصلح باعتباره يحتل مكانة هامة في تراث حضارة كل الشعوب والأمم، وهذا ما يفسر الشعوب الاهتمام الكبير، الذي أولت إليه الشرائع والرسالات السماوية وكذا التشريعات الوضعية ومن بينها التشريع المغربي.
تلعب مؤسسة الصلح أدوار شتى تتفرع بين مزايا تتعلق بتهيئة الأوضاع وتسوية الخلافات وديا من جهة، إلى جانب السعي وراء تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي كمعبر نحو تحقيق مطالب العدل التصالحية من جهة أخرى، فضلا عن دوره في إشاعة ثقافة الصلح التي تدعمه قيم السلم والتسامح في ظل واقعنا الراهن الذي يدعو الأمر فيه إلى ضرورة التحلي عن طريق العملي. من أجل توفير مناخ استثماري تسوده العلاقة الاجتماعية وهذا يفرض على الدولة نهج التغيير التشريعي لضبط العلاقات الاجتماعية بشكل ينسجم ويستجيب إلى التطور السريع والمستمر في أنماط الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
وبه ،عمل المشرع المغربي على تكريس هذه الثقافة التصالحية عبر سنه لمقتضيات قانونية تتبنى الصلح لكونه يساهم في إقراره للسلم الاجتماعي في مختلف الميادين ويقلص من كثرة المنازعات ويفضي إلى بناء تنمية بشرية متكاملة غرضها الضبط العلائقي للروابط – الشغلية والأسرية – والرقي التام بمستوى تفكيرها. فمن الآثار المترتبة على الصلح أنه تنقضي به نهائيا الحقوق والإدعاءات التي كانت محلا له، وأنه يرتب الضمان على عاتق كل متعاقد فيه بخصوص كل ما قدمه من أشياء، يرتب الضمان على عاتق كل متعاقد الآخر، وأنه لا يسوغ الرجوع فيه مبدئيا إلا في حالة كونه بمجرد معاوضة، وأن لهآثار نسبي.
ولعل ما يساعد على ترسيخ القيم الإنسانية من عدل وإخاء ومساواة، هو خلق شروط التكافل الاجتماعي وكذا تحفيز الاستثمار لاستمرارية النمو الاقتصادي للمجتمع، وكذا زرع روح المودة والوئام والتضامن الذي يعتبر نواة الأسرة، ولعل المشرع المغربي بدوره فطن إلى هذه الأهمية في مستجداته التشريعية التي كانت تفتقدها التشريعات القديمة، لارتباطهما بالسلم الاقتصادي والرفع من المستوى المعيشي.
فضلا على أن المجال الاقتصادي جاء بعدة مستويات وأهداف فعلى المستوى الدولي، جاءت بتطور الاقتصاد العالمي بشكل كبير، وتضاعف معه التبادل التجاري بين الدول ذات النظام الليبرالي في ظل نظام تجاري عالمي جديد شعاره العولمة، يتوقف نجاحه على إنجاز استثمارات مهمة، وكذلك يد عاملة لها حقوق وعليها واجبات يضمنها وينظمها قانون الشغل، أما على المستوى الوطني فإن الحكومة أدركت منذ مدة أن السلم الاجتماعي والتشجيع على الاستثمار بفضل رؤوس أموال وطنية أو أجنبية يعتبران إشكالية كبرى قد يساهم في إيجاد الحلول المناسبة لها قانون الشغل جديد وعصري، أما الأهداف التي تود تحقيقها هي الاستثمار، التشغيل، السلم الاجتماعي مرتبطة بمبدأ الحوار الاجتماعي، وتشجيع ثقافة الصلح.
أي أن تعزيز ثقافة التصالح في المنازعات الشغلية وفق لمستويات وأهداف التي رسمتها لنا مستجدات قانون الشغل، يحقق لنا السلم الاقتصادي، وتوفير مناخ جيد للاستثمارات التي تعد أمنا ورهانا لاستقرار العلاقات الأسرية، لاعتبارها وسيلة للحفاظ على التوازن داخل المجتمع.
إدراكا من المشرع المغربي بأهمية الصلح في إخماد فتيلة النزاع، ورأب التصدع الأسري ونشر المودة والوئام بين الزوجين وإحلال الوفاق بدل الشقاق، حث الله عز وجل في كتابه العزيز على التحكيم كوسيلة من وسائل الصلح بين الزوجين بمجرد نشوب خلافات بينهما، إذ قال تعالى: ” وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاح يوفق الله بينهما”.
ووعيا من المشرع المغربي بأهمية القضاء في مجال المنازعات الأسرية يجب أن تقوم على إطار الأسبقية للصلح، وذلك باستخدام كل المجهودات والوسائل بكيفية فعالة، والاستعانة بجميع الآليات التي تساعد على التوفيق بين الزوجين فلا يجب أن يقتصر دور القضاء على إنهاء الخصومة بإصدار الأحكام، فلقد عمل المشرع المغربي سواء في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة أو بعد صدور مدونة الأسرة على التنصيص على مجموعة من الجهات القضائية وغير القضائية للقيام بوظيفة الإصلاح في قضايا الأسرة. إلا أن التوسيع من هذا النطاق لم يأتي من عبث لكون أن الصلح في المجال الأسري له عدة انعكاسات مجتمعية، بتماسك الأطراف وتربية الأطراف في جو عائلي مبني على القيم وعلى القناعات والمبادئ بعيدا عن التشرد، مما يساهم على التنشئة الاجتماعية للأطفال تنشئة جيدة، على اعتبار أن الطفل هو رجل المستقبل، ونهضة المجتمعات تتجلى في مظاهر اقتصادية مهمة، وأن الاستثمار الاجتماعي في الطفل يؤدي حتما إلى مشروع رجل إنساني أخلاقي ناجح وقادر على تحمل مسؤولياته وتحقيق أهدافه. عبر مجموعة من الإنجازات والاستثمارات التي ينجزها، مما يؤدي إلى تفعيل حركية نشاط اقتصادي فعال.
إن إجراء القاضي للصلح بين الزوجين، أخد حيزا كبيرا في مدونة الأسرة، إذ اعتبره المشرع إجراءا جوهريا لا محيد عنه، فعد له أهم المبادئ التي قامت عليها المدونة، إذ ألزم المشرع القاضي بالعمل على الإصلاح بين الزوجين قبل الحكم بالطلاق والتطليق، وذلك بهدف إزالة أسباب الشقاق بينهما لإعادة الحياة الزوجية إلى ما كانت عليه من نقاء وسكينة وحسن المعاشرة. وبالتالي قاضي الأسرة يسعى علاوة على سعيه إلى معرفة وجاهة الدعوى من عدم وجاهتها وقيامه على أساس قانوني صحيح، إلى البحث عن عناصر صالحة للإيجاد حل كفيل لمعالجة المشكل المعروض عليه باعتباره مشكلا اجتماعيا وبشريا يهم الأسرة والمجتمع بأكمله.
فمهمة قاضي الأسرة إذن هي حماية الأسرة وإصلاحها، ومن ثم فإن الصلح القضائي في هذا يحقق استقرار الأسرة وطمأنينتها، وبالتالي استقرار المجتمع كله، وعلى رأسه تحقيق السلم الاقتصادي. لكون أن المشاكل الأسرية تأثر سلبا أو إيجابا على القطاع الاقتصادي، والذي يساهم في ذلك هو الأجراء ومشغليهم ومدى قدرتهم على الإنتاج، والتحصيل والتي لها علاقة بالجانب النفسي والاجتماعي للعامل أو المشغل، مما قد يؤدي إلى تدهور اقتصادي، ومن فالصلح في النزاعات الأسرية أو الصلح في النزاعات الشغلية لهما دور كبير وفعال في استقرار المجال الاقتصادي والاجتماعي والمساهمة في تنميتهما ،كذلك بفشل مهمة الصلح في المادة الاجتماعية – الشغل والأسرة – لها تأثير سلبي على الحياة الاقتصادية وحتى الاجتماعي، كما تؤثر حتما بشكل سلبي على مجال التنمية .
وهذا ما دفعنا لتناول الإشكالية التالية:
إلى أي حد يمكن أن ينعكس الطلاق في المادة الاجتماعية سلبا على التنمية الاقتصادية؟؟؟ وأي تأثير له عليها؟؟؟
هذه الإشكالية تتفرع عنها مجموعة من الأسئلة الفرعية أهمها :
- ما علاقة الأسرة بالتنمية الاقتصادية؟؟
- ما مدى قدرة التماسك الأسري على تحقيق التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية؟؟؟
- أية انعكاسات للطلاق على التنمية الاقتصادية؟؟
- ما آثار التصدع الأسري على الأسر الاقتصادية ؟؟؟؟
لمعالجة هاته التساؤلات ارتأينا تبني المنهج الثنائي وذلك من خلال مبحثين:
المبحث الأول: الآثار المباشرة للطلاق على التنمية الاقتصادية.
المبحث الثاني: الآثار غير المباشرة للطلاق على التنمية الاقتصادية.
المبحث الأول: الآثار المباشرة للطلاق على التنمية الاقتصادية:
إن المشكلات الأسرية تؤدي إلى مشكلات اجتماعية، مما يؤدي حتما إلى نشوء مشاكل اقتصادية، لكون أن الأسرة وحدة اقتصادية تساهم في تنمية البلاد وازدهارها، ويتم تنظيم الإنتاج والتوزيع بحكم العرف والتقاليد التجارية أو المعاملات الاقتصادية عامة، وبالتالي نجاح الدورة الاقتصادية وتقدمها.
إلا أنه المشاكل الأسرة عامة وبين الزوجين خاصة تؤدي إلى عدة اضطرابات اجتماعية نفسية سياسية وحتى اقتصادية والتي تؤدي كذلك إلى خلل اقتصادي إما بالنسبة للأجير أو المشغل أو غيرهم، لكون أن المشاكل تؤثر على نفسية وقد تدخله في اكتئاب الشخص و تشغل باله وتفكيره أثناء مزاولتهم لعمله.
إذ هذا الأخير هو نشاط يحتاج إلى جهد عقلي وجسدي من أجل تحقيق نتائج معينة، إذ يعتبر مجموعة من المهام الذي يقوم بها الشخص مقابل أجر معين، تتكون عليه مجموعة من الواجبات والمسؤوليات والمهام، وعادة ما تكون محددة ويتم إنجازها وقياسها وتصنيفها خلال فترة زمنية معينة وفي مكان محددة.
إذ يعتبر هذا العمل نتيجة لعملية تاريخية طويلة في بناء الحضارات، وهو مرتبط بشكل كبير بالإنتاج والاستهلاك والتنظيم الاقتصادي والحياة الاجتماعية، فبالرغم من أهميته الاقتصادية كدرجة أولى، فإن له أبعاد أخرى في بناء المجتمع، فهو يعتبر وسيلة للتبادلات الاجتماعية وهو ركيزة للتنظيم الاجتماعي، وزيادة المشاركة المدنية، كما يعمل على تماسك المجتمع والمحافظة على سلامته مما يؤدي إلى تعزيز الأنظمة الاجتماعية والنمو الاقتصادي.
وبالتالي، هل الطلاق فعلا يؤدي إلى ضعف اقتصادي؟؟ وكيف يساهم الصلح في قضايا الأسرة من تحقيق التنمية الاقتصادي؟؟
المطلب الأول: علاقة الأسرة بالتنمية الاقتصادية:
يرتبط العمل الاقتصادي بالرفع في الإنتاجية وزيادة المهارات الإنتاجية وبالتالي تنشيط الحركة الاقتصادية، وليس بغريب أن هذا المظهر لا يقتصر عن كونه اقتصادي وإنما هو اجتماعي يمتد إلى العائلة ويؤثر في وضعها ومكانتها وحياتها. فقد يخلق تقسيم العمل أوضاعا متوترة وترتيبات اجتماعية كالتعاون والتبادل وهذه بدورها تنعكس على العائلة من حيث أن العلاقة الوثيقة بين مناخ العمل ومحيط العائلة فقد ينتقل المشكلات التي يواجهها الفرد في العمل إلى البيت فينعكس على بنية العائلة.
يعد الاقتصاديون الأسرة وحدة اقتصادية لها دور كبير في تنشيط اقتصاد المجتمع، فقديما كانت العائلة وحدة استهلاكية وإنتاجية في الوقت نفسه، أي تقوم بكل وجوه النشاط الاقتصادي فيعمل جميع أفرادها في العملية الإنتاجية. إلا أن بعد التغيرات التي حدثت بعد الثورة الصناعية حيث إسهامها في العملية الاقتصادية هو يتعلق بوضع السوق وعملية العرض والطلب على القوى العاملة إلى حد كبير، إضافة على أن القوانين والتشريعات الجديدة حرمت بعض أعضائها من مزاولة النشاط الاقتصادي.
فالاقتصاديون يحللون ويضعون عملية تجهيز الأفراد والجماعات بالبضائع والحاجات، والكيفية التي توزع بها هذه البضائع بصورة ملائمة للسوق، وكذلك الطرائق التي توزع فيها، كما يهتمون أيضا بالأسباب التي تجعل الناس يقبلون على البضائع دون أخرى وكل هذه الأمور لها مساس بالعائلة لأنها المسؤولة عن توجيه الأبناء وإحالتهم بالمسائل والأمور الاقتصادية لذلك المجتمع، ومن هنا يتضح لنا اهتمام رجال الاقتصاد بالعائلة.
وبالتالي، فالاقتصاد الحقيقي يبتدئ من الأسرة وداخل الأسرة ليعود إلى الأسرة، لكونها وحدة تنتج وتستهلك في آن واحد، ولكونها أداة فعالة في الإدخار والتسيير والتدبير.
لهذا نقول على أن المشاكل الأسرية تأثر حتما على الاقتصاد الوطني.
المطلب الثاني: آثار التصدع الأسري على التنمية الاقتصادية:
تجدر الإشارة، إلى أن ضعف الأجر أو الإمساك عن الإنفاق وعدم تلبية جل المتطلبات، والظروف الاقتصادية عامة يؤدي إلى التصدع أسري مما ينتج عنه تفكك أسري، في مقابل هذا أن هذه المشاكل الأسرية تؤدي إلى ضعف اقتصادي وقد تنتج عنها أزمة اقتصادية. وهذا ما أكدته دعوى عرضت على المحكمة الابتدائية بمدينة المحمدية في ملف عدد 09/2016 في حكم عدد 69/2017 الصادر بتاريخ 31/01/2017، مضمونها أن زوجة عرضت لفصلها بدون مبرر، والسبب وراء هذا الطرد هو الطلاق، ومنه فالمشاكل الأسرية تؤدي بالعامل إلى اكتئاب، وتعدد المطالب والإنفاقات وقله النوم وتعدد المشاورات والذي قد يضعف من إنتاجه و جودته.
فكثير من الأعمال والأشغال تحتاج إلى مجهودات فنية عقلية، جسمية…، وبتعدد المشاكل قد يضعف هذا، وأثناء مزاولة العامل لمهامه قد يتعرض على حادث شغل، إما بجرح أو كسر في جسمه الناتج عن تفكيره بالمشاكل، أو بالنسبة إلى أصحاب القرارات– المشغلين مثلا – قد يتخدوا قرارات غير صائبة وقد يوقعوا على مستندات من غير قراءتها، وهذا بحد ذاته تلاعب لبعض منافسيهم، وهذا يكون كسب لهم، إلى جانبها عدة نتائج وآثار تخلفها هذه المشاكل الأسرية الذي يعتقد منها البعض أنها عادية.
وبهذه آثار، نكون أمام تدهور وصعوبات للمقاولات والشركات في الإصدار والتصدير التي تنتج عنها كثرة الديون وشبح الإفلاس قد يتهددها في كل وقت وحين نتيجة لأمراض اقتصادية مختلفة…، وهذا ما يؤدي إلى تدهور النمو الاقتصادي، وعدم استقطاب المشاريع، وارتفاع نسبة البطالة، وهذا ما يخلف لنا كثير من المشاكل في الاقتصادية، اجتماعية وحتى سياسية.
وبهذا نقول جل هذه المشاكل تؤثر إلى تدهور التنمية الاقتصادية، وعليه فهذه هي الآثار المباشرة التي تهدد الاقتصاد الوطني، والذي قد ينتقل إلى أزمة اقتصادية عالمية. فإذا كانت هذه الآثار المباشرة التي تؤثر بها الأسرة على الاقتصاد، فماذا عن الآثار غير المباشرة؟؟؟؟
المبحث الثانية: الآثار غير المباشرة للطلاق على التنمية الاقتصادية:
لا يخفى على أحد أن الوضع الاقتصادي والمعيشي للأسرة يلعب دورا هاما فالحياة الزوجية، من حيث توفير متطلبات الحياة الغذائية والصحية، وهذا يؤثر بدوره على استقرار الحياة الأسرية خاصة عندما يكون دخل الأسرة الشهري ضعيفا جدا، مما يشكل نظرة تشاؤمية للمستقبل وتعبير عن وجود خوف اجتماعي على مستقبل اقتصادي.
يرتبط رجال الاقتصاد العوامل و المؤثرات الاقتصادية بسلوك الفرد ويضعون ذلك بقولهم إن انخفاض دخل الفرد وطرده من عمله يؤدي إلى فقر وخفض الإنتاج، وإنهاء خدمات كثيرة للعمال والمستخدمين، وتفاقم حجم الكساد الاقتصادي، هذا ما قد ينشأه الطلاق كجزء من التفكك الأسري.
إذ يعد هذا الطلاق ظاهرة تتناولها كل المؤسسات الاجتماعية والدينية وحتى السياسية، وأكثرهم يتحدثوا على العامل الأساسي الذي يؤدي إلى هذا الفرق هو العامل الاقتصادي، ويقصد بالعوامل الاقتصادية ذات البعد الأسري كل ما يتعلق بشؤون الأسرة المالية من دخل، إنفاق، استهلاك، إدخار أو استثمار…، وكل ما يترتب عن التصرفات المالية لأحد الزوجين أو كليهما تلعب دورا لا يستهان به في حياة الأزواج ومسيرة الأسرة وبقائها وأي اختلال في المسؤوليات والواجبات والتصرفات المالية سيؤدي حتما إلى حدوث مشكلات أسرية، مما ينعكس سلبا على الاقتصاد.
لهذا فالأسرة دور مهم على الحياة الاقتصادية، وبالتالي تفككها مما ينقلب سلبا على الحياة الاقتصادية، كيف ذلك؟؟؟
المطلب الأول: دور الأسرة في تحقيق التنمية الاقتصادية:
لا يختلف اثنان في كون أن المجتمع يبتدئ من فرد ثم أسرة ثم جماعة، وبالتالي فهي أول جهة تبتدئ منها الاقتصاد بها أن يتحقق هذا الاقتصاد وبها أن يتدهور هذا الاقتصاد.
لكون الأسرة تتمتع بدور حيوي فاعل في البناء المجتمعي، ولها دور كبير في التنمية الاقتصادية، وذلك بحكم موقعها المنتج ثقافيا واقتصاديا وفكريا وميدانيا، ولكونها أساس تغيير المجتمع، وكذا إسهامها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، في جل مراحلها بدأ من التخطيط غلى التوزيع والتسويق.
تمارس الأسرة نشاطا اقتصاديا اتسع ليشمل قطاعات الإنتاج الوطني المختلفة معلنة وغير معلنة، والذي أضحى موضع اهتمام العديد من المسؤولين، استنادا إلى تقييم للقيمة الاقتصادية لعمل المرأة المنزلي، ففي حد ذاته يساهم في اقتصاد البلاد لكونها تربي لنا أجيال وأجيال الذي هو عماد المستقبل.
وعليه فإن المعادلة المنطقية والمنطلقة من كون أن الأمن الأسري يحقق لنا أمن اجتماعي واقتصادي وحتى سياسي. لكون أن الزوجة الصالحة القادرة على تحمل مسؤولية البيت بكل حاجياته ومتطلباته، وتوفير سعادة الزوج وإشباع حاجياته وضمان الفقه طلباته كل هذه الأشياء تساهم في الرفع من قيمة الزوج وتنشيط ذاكرته، ومساهمته وقدرته على الإنتاج، وتطوير أفكاره ومهاراته و كفاءاته .
وبالتالي تحقق الراحة النفسية والأمن العاطفي وفي جو هادئ بعيد عن التصدع وعن المشاجرات، وقناعة الزوجين توفر لهم العيش الكريم، الذي يجعلهم يتحكمون في المشاكل، وفي إعادة النظر في مناهج التدبير والبحث عن وسائل جديدة للتمويل وتطوير الشراكة ثم وضع استراتيجية عامة للرفع من قدرات، علاوة على إسراء ثقافة الإرشاد والحوار والتشاور، كل هذا من أجل تبادل المعاملات وأفكار والتبادلات الإنتاجية والمبادلات الداخلية والخارجية كلها ظواهر اقتصادية تنتج عن وجود أسرة متكاملة.
ففي غياب أسرة متضامنة متماسكة سريعة المشاكل والمشاجرات، والتي تؤدي إلى تفككها يؤدي هذا إلى الطلاق والتطليق لعدة أسباب، ولعل أبرزها أسباب اقتصادية، مما يؤدي هذا إلى تدهور الاقتصاد الوطني وقد ينتقل هذا إلى العالمية.
المطلب الثاني: انعكاسات مشكل الطلاق في تحقيق التنمية الاقتصادية بالمغرب:
مصطلح طلاق مكون من ثلاث كلمات إلا أنها ذو معنى وحجم اجتماعي واقتصادي بامتياز، صحيح أن معظمكم يتساءلون هل بالفعل أن الطلاق والتفكك الأسري يؤدي إلى مشاكل اقتصادية؟؟؟ وإلى أي حد يمكن القول أن الطلاق يساهم في نشوء مثل هذه المشاكل؟؟
ونحن نقول أنه بالفعل الطلاق يساهم بطريقة غير مباشرة في التحول و التغيير في النظام بشكل يهدد مسار النظام بالاتجاه الصحيح أو يوقف استخدامه أو خلل يؤدي إلى وقوع خسائر مالية واقتصادية كبيرة بشكل يهدد وجود النظام الاقتصادي ويؤدي إلى زواله ، وهي اضطراب مفاجئ قد يصيب النظام الاقتصادي في البلاد مما يؤدي يفقده توازنه، ومن العوامل المؤدية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية ارتفاع مستوى البطالة انخفاض الأجور والأرباح، تنمي ظاهرة تقليص عدد العاملين في المؤسسات المختلفة أو حتى تقليص من عدد المؤسسات نفسها، بالإضافة إلى إصابة معدلات الاستهلاك ومعدلات الإنفاق والإدخار والاستثمار بانخفاضات كبيرة، ويعود ذلك للعلاقات الوثيقة بينهما، مما يؤدي إلى بطئ نمو الاقتصادي وضعف قيمة العملة المحلية لأي دولة.
وعليه، فبالفعل هذه الأضرار تنشأ بطريقة غير مباشرة بالطلاق وبالمشاكل الأسرة، لكون أنها في مجال الدراسات والمعاملات والأبحاث يقوم بها الإنسان أي أننا في دراسة الإنسان بالإنسان و للإنسان، وكل ما يصيب الإنسان حثما ينتقل إلى أسرته وإلى محيطه الخارجي، وبالتالي للطلاق أضرار اقتصادية واجتماعية وحتى سياسية .
لهذا المشرع المغربي وسع من دائرة الإصلاح ذات البين بين الزوجين ذلك لدرايته بخطورة الطلاق على مختلف المستويات. وبه فلابد من التفكير في تغيير العقليات وإحياء الموروث القديم – الوسائل البديلة لحل النزاعات، الصلح، التحكيم الوساطة التفاوض…- من أجل تحسين العلاقات الأسرية التي تأثر حتما وبشكل فعال على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من تؤدي إلى تخفيض مصاريف وتكلفة الدولة .
خاتمة:
يتضح من خلال ما سبق، أن للطلاق تأثيرات قوية جدا على الحياة الاقتصادية والمجتمعية وحتى التنموية، لكون أن الطلاق له تدعيات على الأسر المغربية من تشتتها وتفككها ونصبح أمام أسرتين، ثلاث إلى أبع أسر وغيرها من الأعداد المتزايدة التي يحققها هذا التفكك الأسري، وبالتالي فالدولة إذا أرادت أن توفر حاجيات ومصاريف أسرة واحدة فبالطلاق تتضاعف حاجياتها ومطالبها مما يؤدي إلى تزايد مصاريفها وتزايد أنشطتها والتفكير في الحلول بديلة وموازية لهاته الأسر المفككة نتيجة طلاق قد تكون أسبابه بسيطة جدا ويمكن حلها وإصلاح ذات البين بينهما.
وبالتالي للطلاق انعكاسات سلبية ليس على المستوى الأسري والعائلي فحسب وإنما يمتد ذلك إلى الدولة المغربية بأكملها مما يؤثر سلبا على أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، وبهذا أصبحنا نعيش في زمن تسوده أزمات أسرية بامتياز، والتي أكدتها الإحصائيات ومنطق الأرقام خصوصا في السنوات الأخيرة، لما عرفته مدونة الأسرة من مفاهيم مغلوطة جدا وحتى نصوصها تتطلب عدة تأويلات والتفسيرات مما ينعكس سلبا على وضعية كل فرد داخل الأسرة، مما أن كل فرد داخل الأسرة يعاني في صمت.
لهذا أصبح من اللازم إعادة النظر في مجموعة من النصوص القانونية المؤطرة لوضعية الأسر المغريية، من جميع النواحي مراعية بذلك الوضعية المغربية التي نعيشها بخصوصيتها وهوتنا الثقافية وأن لا نتغاضى ونتجاهل على قيمنا المجتمعية والمغربية ،بهدف العولمة والتكنولوجيا والتطورات المجتمعية والعالمية ، لكون أننا نبقى مغاربة أبا عن جد بتاريخنا وثقافتنا وهوتنا، لذا ندعو جميع المؤسسات بمختلف أشكالها والمختصين والمؤثرين… وغيرها من الأنظمة المتدخلة في صياغة جديدة لمدونة الأسرة أن لا تتناسى هويتنا وثقافتنا، وأن تكرس نصوصا قانونية معالجة للإشكالات التي وجدناها في تفعيل نصوص مدونة الأسرة وأن تبقى منسجمة مع لطبيعتنا المغربية.
مصدق أسماء طلبة باحثة بسلك الدكتوراه رئيسة مركز الزهور للوساطة والاستشارة الاجتماعية متخصصة في التقنيات البديلة لحل النزاعات متخصصة في مجال التنمية البشرية